الاثنين، 1 ديسمبر 2014

"عامر شماخ" يكتب: جرائم مبارك.. من يدفع الثمن إذًا؟!



حصل مبارك على البراءة -وكان هذا أمرًا متوقعًا لا شك فيه- فماذا نحن فاعلون إزاء آثار جرائمه؟! ومن نحاكم؟! وكيف نعوِّض ضحاياه؟!

باختصار: تلك عصابة كبيرة، كان مبارك زعيمها، أو ربما أحد أعضائها، وهذه العصابة لا تفكر إلا في مصالحها ومكتسباتها، ولو على حساب الوطن، من ثم أعطوه البراءة، ولم يفكروا في تركته الثقيلة بعد هذا الحكم، بل لم يعيروا شعبًا بكامله يتكون من تسعين مليونًا أي اهتمام.

وفي هذا المقال أذكِّر -فقط- ببعض بجرائم المخلوع (البريء!!) من نسيها، وأطرح السؤال: من يدفع ثمن هذه الجرائم إذا كان الجاني قد برئ منها؟، وأنا واثق -ثقة تامة- أن هذا الثمن سوف يُدفع قريبًا، لكنني أعتقد أيضًا أن العصابة كلها هي من ستتحمل هذا الثمن..

لقد خان مبارك شعبه، وظل عميلا للصهاينة حتى تم خلعه، وبقيت مصر (حكومة ورئيسًا) ثلاثين عامًا تابعة ذليلة للأمريكان، ما عرّض الأمن القومي المصري للخطر، بعدما سخر هذا الطاغية الأجهزة الوطنية لحماية سلطته.. كان شعاره: غير مسموح بالنقد والاعتراض، وانتهج لذلك أساليب غير إنسانية في التعامل مع شعبه؛ فجعل التعذيب سياسة دولة، وفتح أبواب المعتقلات للأحرار، وسمح لزبانيته بممارسة الإرهاب والقتل ضد الشرفاء داخل سجونه المظلمة ومقار (أمن الدولة) التي كانت عارًا على مصر والمصريين.

لم يكن مبارك لينجح في رئاسة مصر لمدة ثلاثين عامًا إلا عن طريق فرض الطوارئ، وتطبيق القوانين الاستثنائية، وتدشين أجهزة أمنية غبية لفرض سطوته ومساندة نظامه، فصارت أقسام الشرطة في مصر المحروسة أشبه بسجون الطغاة في القرون الوسطي؛ إذ الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، ما جعل الشعب معاديا لشرطته ناقمًا عليها، وهو ما جسدته أحداث ثورة 25 يناير التي خرج الملايين فيها لإسقاط الفاسد الأكبر ونظامه، ومن أجل «كسر» الداخلية التي أهانت هذا الشعب وتسلطت على حريته وكرامته.

لم يعترف الشعب يومًا بهذا الرئيس؛ لأنه خالف العهود ونقض الوعود، وجدد لنفسه -لخمس مرات- رئاسة بلد بحجم مصر، بالتزوير والتلفيق وإفساد الساحة السياسية، ولو سمح بجزء ولو يسير من الديمقراطية والحرية لما قالت له الجماهير في صوت واحد: ارحل فإنا لا نريدك، لكنه لم يفعل ذلك، بل كان يغتصب هذا الحق بجهاز شرطي قمعي، حرص على إفساده ومحو الأخلاق الحسنة للمنتمين إليه، كما أطلق جيشًا من البلطجية لنهش المجتمع ومعاونة سلطاته الأمنية في تنفيذ مهامهم القذرة.

ولو لم يرتكب مبارك جريمة سوى ما فعله مع جماعة الإخوان المسلمين، لكفى ذلك لإدانته بالديكتاتورية والإرهاب، فعلى مدى ثلاثين عامًا لاحق أعضاء الجماعة، ولفق لهم التهم، وقطع أرزاقهم، وأغلق مكاتبهم وشركاتهم، فبلغ من قبض عليه من أفراد الإخوان في عهده ما يقرب من (50) ألف شخص، منهم (30) ألفًا في السنوات العشر الأخيرة من حكمه الفاسد، غير سبع محاكمات عسكرية لفقها لقادة الجماعة، وغير أربعة سقطوا قتلي في سجون الملعون.. وغيرها من الجرائم والتجاوزات الخطيرة التي سوف يسجلها التاريخ باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

إن من ينظر إلي مصر قبل توليه السلطة عام 1981م، ومصر الآن يجد البون شاسعًا والفرق عظيمًا.. لقد زرع الفقر في ربوع المحروسة، وسحق البسطاء، وفاقم البطالة بصورة خطيرة أضرت بالأمن القومي والسلم الاجتماعي، ودمّر الزراعة، وتواطأ لاستيراد القمح والقطن، وقتل المصريين بالمبيدات المسرطنة، وأغرق مصر في الديون، وتاجر بعوزها، وترك لنا تركة مثقلة بالهموم، واقترن عهده الأسود بكوارث الطرق وحرائق المباني والقطارات وغرق العبارات، فضلا عما قام به من بيع شركات القطاع العام وتنفيذ مأساة (الخصخصة) التي شرد على أثرها ملايين العمال والموظفين.. ولقد أصاب شعبًا بكامله بالأمراض الجسدية والنفسية، وارتكب جرائم وإهمالا لا يسقطان بالتقادم.

ولم تسقط مصر في بئر الإهانة إلا مع هذه الحقبة المظلمة؛ حيث أهدرت كرامة المصريين في الخارج، وصار أبناؤنا عُرضة للسخرية والتطاول من جانب الآخرين، وهذا قانون ثابت: فإن من أهين داخل وطنه لا شك مهان خارجه، بعدما فسدت الحياة السياسية من رأسها إلي قدمها، وتم العبث بالدستور لتحقيق مزيد من الديكتاتورية، كما تم تسييس القضاء وتحزيب القضاة، وحُظرت الأنشطة الحزبية والطلابية والمجتمعية، وكان الحزب الحاكم الذي يرأسه هذا الرجل فاسدًا لا يعرف مسئولوه سوي التزوير والمحسوبية والرشوة، فضلا عن كتائب من الإعلاميين والمثقفين الكاذبين، صنعهم على عينه للدفاع عن نظامه غير الشرعي ومحاربة الهوية الإسلامية.

كان مبارك فاسدًا مفسدًا، بل هو رأس الفساد ومحركه، وقد أوقعته رغبته في أن يرث ابنه مقاليد الحكم، العمل بشتي الطرق لئلا يتدخل أحد في قراراته، سوي امرأته وابنه الوريث اللذين ترك لهما في السنوات الأخيرة إدارة مؤسسات الدولة فغاصت البلاد في بحور الفوضى والفساد، إضافة إلي استعانته بوزراء فاسدين مشبوهين بقوا سنين طوالا في الحكومة متحديا بهم الشعب، وهم من كونوا كيانات فاسدة أشبه بعصابات المافيا، وقد أرسوا قاعدة (حاميها حراميها) فضاع الحق، وبقي السارق والمجرم بعيدين عن يد العدالة.

وقد ذهب المخلوع إلي غير رجعة بعدما أضاع الدور الإقليمي لمصر، وفرط في حقوق بلده في مياه النيل، فصرنا مهددين بالعطش وأرضنا بالبوار، وتآمر على السودان، وتاجر بالإخوة الأشقاء، وفرّط في القضية الفلسطينية، وحاصر شعب غزة الأبي وسفك دماء إخوتنا في أرض الرباط.

هذه بعض جرائم مبارك.. فهل إذا برأه جماعة من عصابته يرضي الله بهذا الحكم؟! اللهم لا، كما لا يرضي ذلك إنسان أبي ذو دين وضمير.. فلعل هذا يكون المسمار الأخير في نعش الانقلابيين الذين يدينون الصالحين ويبرؤون المجرمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق