الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

تسلم رجالتنا "'طاهر مختار"

"تسلم رجالتنا"... قالها ضابط جيش في أحد الأكمنة القريبة من معبر رفح داخل سيناء في الطريق بين المعبر والعريش عندما حكى له سائق السيارة التي نستقلها في طريق عودتنا أن آثار تلك الرصاصة في زجاج السيارة الأمامي وتلك الرصاصات الأخرى في جانب السيارة هي نتيجة ضرب الشرطة والجيش النار عليه.

عند قسم شرطة الشيخ زويد عندما كان في الطريق لاستقبالنا عند المعبر، قالها الضابط بكل فخر وصلف للسائق الذي نجا من القتل بأعجوبة عندما رأى آثار الرصاصة في زجاج السيارة الأمامي قريبة جدا من رأس السائق وكانت ستؤدي إلى وفاته على الفور إن تغير مكانها سنتيمترات معدودة في اتجاه رأس السائق!.

قبلها بربع ساعة تقريبا عندما قام عم حمدي -سائق السيارة- باستقبالنا عند المعبر ورأينا آثار تلك الرصاصات على السيارة حمدنا الله على سلامته وسألناه عن سبب ضرب النار عليه عند القسم، فقال لا يدري! سألناه هل كنت تسير في وقت حظر التجول؟ قال لا، سألناه هل كسر كمينا؟ قال لا، كل الحكاية حسب ما قال عم حمدي أنه مر بالسيارة أمام قسم شرطة الشيخ زويد دون أن يقف ودون أن يكون هناك حاجز يدعوه للوقوف؛ فالمرور أمام قسم شرطة هو لا يدرك مكانه أصبح يساوي الموت في سيناء الآن!.

ما حدث يجعلني أتساءل كم من شخص تم قتله برصاص الجيش والشرطة في سيناء وهو يمر على الطريق لأن هذا الشخص فقط مر أمام كمين جيش أو نقطة شرطة فاشتبهوا فيه فقرروا قتله؟ كم من إنسان تم قتله لأنه مر أمام قسم شرطة في سيناء وقد أهملت حراسة الكمين أن تضع حاجزا أمام القسم فتم إطلاق النار عليه فقط لأنه مر من أمامه في طريق مفتوح ثم تم نشر خبر مقتله بعد ذلك على أنه إرهابي تم قتله؟! كم مواطنا من أهل سيناء نجا من الموت بأعجوبة كما حدث مع السائق ثم وجد ضابطا أو جنديا يشعر أمامه بالفخر لأن أحد زملائه في الجيش كاد يقتله ويقول له ذلك بكل صلف؟! وبماذا سوف يشعر هذا المواطن تجاه نظام وجيش كهذا؟.

تحدث ويتحدث وسيتحدث البعض عن الإرهاب الذي تحاربه الدولة وعن الجنود الذين يموتون يوميا في سيناء من قبل الإرهابيين وسيبرر ما حدث مع السائق بأن الجيش من حقه أن يقتل من يشتبه فيه تأمينا لأفراده وأن "اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار"، ولكن هل يجرؤ هؤلاء على أن يقولوا أن من يقتل الجنود في سيناء ويوسع دائرة الإرهاب فيها ضدهم هم قادتهم والمسئولون عن وضع السياسات الأمنية في مصر كلها وفي سيناء على وجه الخصوص؟.

هل يجرؤ هؤلاء على أن يقولوا أن هؤلاء القيادات الذين يتخذون القرارات ويضعون الخطط يضحون بجنودهم وضباطهم المغضوب عليهم في سيناء نتيجة سياساتهم الفاشلة بينما هم يعيشون بأمان خارج سيناء أو يعيشون في حصون عسكرية داخل سيناء تحميهم فيها مئات الدبابات والمدرعات وآلاف الجنود الذين لا ثمن لهم لأنهم فقط فقراء ولا توجد لهم واسطة أو "غلابة" حسب التعبير الدارج؟! فإذا استطاعت الدولة بآلتها الإعلامية الهائلة أن تخدع الملايين خلف شاشات التلفاز والذين يقرؤون الصحف يوميا بأن كل من تقتلهم إرهابيون فإنها لن تستطيع خداع أهل سيناء الذين يعيشون فيها ويعرفون جيدا بشكل شخصي العديد من أبناء سيناء الذين تم قتلهم بشكل عشوائي من قبل الجيش لأنه فقط تم الاشتباه فيهم، ولن يستطيعوا فرض خطاب خادع على أهل سيناء الذين يعرفون أقاربهم وأصدقائهم الذين هدمت بيوتهم ضمن قرى كاملة قصفا بطائرات الجيش لا لشيء سوى للاشتباه فيهم، أهل سيناء الذين تغلق أمامهم طرق التنقل والعودة لبيوتهم معظم اليوم في غير أوقات حظر التجول ثم تغلق عليهم نهائيا في أوقات حظر التجول التي لا يسمح فيها بمرور حتى سيارات الإسعاف لنقل المرضى للمستشفيات ليلا ويتم تركهم يموتون في منازلهم وتقطع عنهم شبكات المحمول طوال اليوم يتم دفعهم دفعا من قبل النظام وسياساته إلى اعتباره "نظام احتلال مصري" لسيناء وأن الجيش في سيناء هو "جيش احتلال" كما يردد البعض هناك نتيجة لممارسات الجيش والنظام ضدهم التي يرونها على الأرض وليس جيشا يحمي الحدود ويحميهم كما يفترض أن يكون، ومع انعدام أي مساحة للحرية للاعتراض أو لنقل حقيقة الواقع لتغييره يتم صناعة المزيد من الإرهاب الذي يبدأ البعض في الاعتقاد أنه السبيل الوحيد لمقاومة ما يصفونه بالاحتلال.

لا أتحدث في هذا الموضع عن أفكار الإرهاب ذات الطابع الأيديولوجي التي يأتي البعض متبنيا إياها من خارج سيناء ليقيم فيها حيث المساحات موجودة للتدريب والالتقاء بالمجموعات المماثلة ولكني أتحدث عن تلك الأفكار التي تنشأ نتيجة استنتاجات يصل إليها بعض من يقيمون في سيناء من الواقع الذي يعشيونه أنه لا سبيل مع نظام يظلمهم ويقمعهم ويقتلهم ويشردهم بدون ذنب جنوه سوى أنهم من أهل سيناء إلا بمقاومته بهذا الشكل لطرده من أرضهم أو لدفعه لتغيير سياساته ضدهم، حتى لو جاءت تلك الاستنتاجات ضمن نسق أيديولوجي بعد ذلك نتيجة وجود مجموعات تتبنى أفكار الإرهاب ضد الدولة في سيناء وعدم وجود بديل لها هناك مع عدم وجود مساحات لأي عمل جماهيري شعبي يعطي أي بارقة أمل في إمكانية التغيير بشكل آخر أو حتى تعديل الوضع الذي يعيشون فيه ولو بالضغط الشعبي السلمي بسبب غلق الدولة لهذه المساحات بشكل تام بحجة حربها ضد الإرهاب لدرجة تصل لتقديم الصحفيين الذين يقومون بعملهم بنقل الأخبار من سيناء على حقيقتها للمحاكمات العسكرية، فالنظام لا يريد أن تصل لأحد خارج سيناء سوى روايته الأمنية ولا يريد لأحد ان يتحدث عن جرائمه في حق أهل سيناء.

لن أتجنى على النظام إذا قلت إن النظام المصري هو المسئول عن الإرهاب واتساع دائرته؛ فالنظام هو الذي يمارس الإرهاب حرفيا ضد العزل من أهل سيناء وهو الذي يصنع الإرهاب بسياساته الظالمة تجاه المصريين عامة وتجاه أهل سيناء على وجه الخصوص وهو الذي يرفض تنمية سيناء وجعلها منطقة جذب سكاني يستطيع من خلالها تضييق المساحات على الجماعات الإرهابية بالعمران والمواطنين وليس بالكتائب والمدرعات والجنود ولعل هذا أحد أهم الطرق لجعل سيناء أكثر أمانا ولحماية حدود مصر الشرقية من العدو الصهيوني القابع في الشرق بجانب الفوائد الاقتصادية والاجتماعية الجمة التي سوف تعود على مصر.

أعلم أن ما ذكرته هو قليل وسطحي جدا مقارنة بما يحدث في سيناء يوميا وأن هناك الكثيرين ممن يعيشون فيها ويملكون من القصص والوقائع الكثير بجانب العديد ممن يقومون بالدراسات والأبحاث حول الوضع في سيناء، ولكني أعرض فقط تجربة المرور في طريق واحد في سيناء ذهابا وعودة أثناء الذهاب والعودة من معبر رفح وبعض الخواطر التي طرأت في ذهني حول ذلك ولا يتفاجأ أحد إن قلت أن قطاع غزة المحاصر كان خلال الأسبوع الذي قضيناه فيه ـ بعد انتهاء الحرب الصهيونية الأخيرة على القطاع - أكثر أمانا بمراحل من سيناء "المحررة" اللهم إلا من "كامب ديفيد"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق