الخميس، 2 أكتوبر 2014

كوارس اقتصادية هائلة قد تطيح بالسيسي



سارع  السيسي، إلى إجراء إصلاحات اقتصادية في أول مئة يوم قضاها في السلطة تضمنت خفض الدعم المُكلف عن الوقود وزيادة الضرائب واطلاق مشروعات بنية تحتية لجلب إيرادات على المدى الطويل وتقليص البطالة. تلك خطوات لطالما تطلّع المستثمرون الأجانب إلى اتخاذها، لكن الفوز بثقتهم الكاملة سيتطلّب المضيّ قدماً في تبني مزيد من الإصلاحات ذات الحساسية السياسية، وإبرام اتفاق صعب مع صندوق النقد الدولي.

صندوق النقد 


يعتبر الحصول على قرض من الصندوق شهادة جدارة ائتمانية تشتد إليها حاجة البلد الذي يعاني من اضطرابات سياسية منذ الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم حسني مبارك في 2011 بعد 30 عاماً قضاها في السلطة.
وعلى مدى عقود، تفادى مبارك، في معظم الأحيان، إجراء إصلاحات تنطوي على مخاطر سياسية وقد تثير غضب السكان الذين يعتمدون على الغذاء والوقود المدعومين. كما لم يبدِ خلفه، محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، أي علامات تذكر على المضيّ في هذا الطريق خلال العام الذي قضاه في الرئاسة.
ويأمل المستثمرون بأن يملك السيسي، قائد الجيش السابق، القدرة على اتخاذ الإجراءات التي لم يستطع سلفاه تنفيذها. وكان السيسي قد عزل مرسي واتخذ إجراءات صارمة بحق أنصاره ثم فاز في انتخابات الرئاسة ليخلفه في المنصب.
وقال مدير محافظ ديون الأسواق الناشئة لدى "أكاديان لإدارة الأصول"، في بوسطن، بريان كارتر، في تصريح لـ"رويترز": "لا نريد تسييس الأمور، ولا نريد التعامل معها بطريقة درامية. بل نريد زعيماً يطبّق نظاماً استثمارياً لمصر يركّز على المدى الطويل". وقد يؤدي رفع أسعار الوقود والضرائب إلى تخفيف العبء عن كاهل الدولة التي تعاني من ضائقة مالية وتواجه عجزاً كبيراً في الموازنة يبلغ نحو 11% من الناتج الاقتصادي إلى جانب معدل بطالة مرتفع. غير أن أهم تحدٍ يواجه السيسي هو إعادة جذب المستثمرين الأجانب الذين ما زالوا يتوخون الحذر من القوة المصطنعة للجنيه المصري وارتفاع التضخم والإجراءات الروتينية الخانقة وانقطاعات الكهرباء في البلاد.

ويقول كارتر إن "حل المشكلات الاقتصادية لمصر على المدى الطويل لن يتأتّى من أي نوع من أنواع التقشف الداخلي أو إعادة هيكلة الموازنة. بل يأتي من تحفيز الاستثمارات". وتجري مصر مشاورات مع صندوق النقد الدولي بخصوص تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تتوقع الحكومة أن تدرّ عليها إيرادات تزيد على أربعة مليارات دولار. ويتوق المستثمرون إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة دون أن يثير ذلك أي معارضة أو اضطرابات، وإن كان المسؤولون لم يحددوا إطاراً زمنياً لتطبيقها. واستأنفت مصر مشاورات دورية مع صندوق النقد الشهر الماضي، للمرة الأولى منذ مارس/ آذار 2010، وهي خطوة ضرورية قبل الحصول على حزمة قروض. وكانت القاهرة قد أرجأت المحادثات مع الصندوق عقب الإطاحة بمبارك في 2011.

مشروع قناة السويس الجديدة


تعلّق مصر آمالها على مؤتمر عالمي للاستثمارات والمساعدات يرتقب أن ينعقد في فبراير/ شباط بمنتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر. وتأمل القاهرة في الخروج من هذا المؤتمر بتعهدات سخية من الحكومات الأجنبية ومستثمري القطاع الخاص والمنظمات الدولية المانحة. وقال وزير الاستثمار المصري، أشرف سالمان، في تصريحات صحافية الشهر الماضي، إنه يستهدف جذب استثمارات أجنبية بقيمة عشرة مليارات دولار في السنة المالية الحالية، وعبّر عن أمله في أن تجتذب بلاده 18 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2018، وهي أهداف طموحة للغاية. وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 8 مليارات دولار سنوياً قبل ثورة 2011، لكنه وصل إلى 4.1 مليارات دولار فقط في السنة المالية المنصرمة التي انتهت في يونيو/ حزيران الماضي.

ويتجسّد أهم مشروعات السيسي في توسعة قناة السويس، الممر الملاحي الاستراتيجي العالمي، الذي يجلب لمصر إيرادات واحتياطات أجنبية قيمتها 5 مليارات دولار سنوياً. ويأمل الرئيس المصري في زيادة هذه الإيرادات إلى أكثر من مثليها من خلال المشروع الجديد، وقد تبنى هدفاً طموحاً يتمثّل في استكمال المرحلة الأولى من المشروع خلال عام. ويبدو أنه يراهن أيضاً على رمزية القناة وأهميتها الجيوسياسية لزيادة شعبيته.

وتهافت المصريون على البنوك، الشهر الماضي، لشراء ما تعادل قيمته 8.5 مليارات دولار من شهادات استثمار قناة السويس الجديدة التي اعتبرتها الحكومة تصويتاً شعبياً بالثقة في الاقتصاد. ولم تصل حماسة المصريين إلى بعض المستثمرين الأجانب الذين يتوقون إلى التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي. 

وقال المسؤول المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة أموندي لإدارة الأصول،  ريمي مارسيل: "ليس لدينا تفاصيل كثيرة. ما زالت هناك بعض علامات الاستفهام نظراً لأنه مشروع كبير". وتابع قائلاً: "من السابق لأوانه أن نعرف حقاً ما هي التداعيات التي ستترتب على هذا المشروع. فعلى الورق، يبدو (المشروع) إيجابياً للغاية، إذ سيساهم في خلق بعض الوظائف وزيادة الإيرادات".

لا إصلاحات سريعة


يبدو أن المجال يتّسع أمام السيسي للمزيد من المناورات. فحتى الآن لم يتسبب خفض الدعم عن الوقود في حدوث الاضطرابات التي ثارت مخاوف من اندلاعها، رغم أنه أدى إلى ارتفاع جميع الأسعار. غير أن هذه المساحة قد لا تدوم إذا ظل الرئيس ملتزماً بالانضباط المالي الذي وعد به. فذلك سيتطلب منه اتخاذ المزيد من الخطوات الجريئة، مثل المضيّ قدماً في خفض الدعم بصورة أكبر وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. وقال المدير التنفيذي لشركة جيمفوندز للاستثمار، التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، دانيال بروبي: "لا توجد إصلاحات سريعة، بما فيها رفع الدعم، والتي يبدو أن معظم المستثمرين الأجانب يعتقدون خطأ أن من الممكن تنفيذها دون إثارة اضطرابات اجتماعية". وتشهد العملة المصرية، وهي عامل حيوي آخر للمستثمرين الأجانب، استقراراً في السوق الرسمية منذ يونيو، لكن تداولها في السوق السوداء والقيود المفروضة على سحب الدولارات تدفع المستثمرين إلى الإبقاء على حذرهم. وأدت توقعات بخفض كبير في قيمة العملة عقب الانتخابات البرلمانية المنتظر إجراؤها في نهاية العام، إلى تأخر عودة بعض المستثمرين إلى السوق، وكذلك إلى "اكتناز" الدولارات، وهو ما أبقى على نشاط السوق السوداء. وزاد المؤشر المصري الرئيسي 18.6% منذ انتخاب السيسي، ويتجاوز الآن مستواه قبل انتفاضة 2011. صحيح أن ذلك يعكس تصويتاً بالثقة من المستثمرين المحليين، لكن البيانات الرسمية لا تظهر زيادة كبيرة في عدد المستثمرين الأجانب الذين عادوا إلى البورصة.

وقال أحد المتعاملين في أدوات الدخل الثابت بالقاهرة إن المستثمرين لم يعودوا بعد إلى سوق السندات الحكومية أيضاً. 

وأضاف قائلاً: "لم نسمع عن أجانب اشتروا سندات حكومية في الشهرين الأخيرين أو نحو ذلك".

رؤى واقعية


يبدو أن الوزراء الذين عيّنهم السيسي في الحقائب الاقتصادية، يتبنّون رؤى أكثر واقعية من تلك التي كان يتبناها المسؤولون في عهد مبارك والذين كانوا يرسمون صوراً وردية في الغالب. وقال وزير المالية المصري، هاني قدري دميان، في تصريحات سابقة، لـ"رويترز"، إن الحكومة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي إلى ما بين 5% و6% في غضون ثلاث سنوات، وخفض العجز في الميزانية إلى النصف في غضون سبع سنوات، مُقراً في الوقت نفسه بوجود تحديات تعترض تحقيق هذين الهدفين. ويتعرّض السيسي لانتقادات شديدة من جماعات حقوق الإنسان، منذ العام الماضي، حين كان قائداً للجيش وعزل مرسي عقب احتجاجات حاشدة، ثم اتخذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين. وقُتل المئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في اشتباكات مع قوات الأمن في الشوارع واعتُقل الآلاف من الإسلاميين. كما أوْدِعَ نشطاء يساريون وليبراليون السجن لانتهاكهم قانوناً يفرض قيوداً مشددة على التظاهر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق